فن معالجة الأخطاء بالطرق الصحيحة

“كلنا ذوو خطأ” هذه هي إحدى القواعد البشرية التي تحكم الجميع، فالخطأ سلوك آدمي “فكل بنو آدم خطاء” كما قال رسولنا الكريم ﷺ ولكن؛ ما هو فن معالجة الأخطاء؟ وكيف نعالج هذا الخطأ بشكل صحيح، لنعالج به بلا ضرر، ونجبر دون أن نزيد الكسر، ونقوي الضعف ونزيل الخلل ولا نفرق الشمل، هذا ما سنحاول طرحه الآن بالأسطر التالية.

المحتويات

كيف تتعامل مع أخطائك بشكل صحيح؟

تتفاوت درجاتنا بالخطأ لكننا جميعاً نخطئ هذه هي القاعدة التي ينبغي أن نرسخها قبل البدء في سعينا لتصحيح الأخطاء، فلكل خطأ تصحيح ولكل مشكلة حل، نحاول أن نضع أيدينا عليه بالنقاط الهامة التالية:

الخطأ سلوك بشري

جميعنا يخطأ لا محالة علينا أن نأخذ هذا بعين الاعتبار، فلا يوجد بيننا معصوم إلا رسولنا الكريم ﷺ ، لذا علينا أن نتقبل هذه الفكرة، ونركز سعينا على الحلول المناسبة لهذه الأخطاء التي قد نقع فيها، صغرت أم كبرت، فلا يذهب بنا الوقوع بالخطأ للإحباط والانطواء واليأس، بل علينا أن نوقن أن الحل يكمن في تصحيح الخطأ، واتخاذ كل التدابير التي تمنع من تكراره، فتسليمنا بذلك هو أول خطواتنا السديدة في فن معالجة الأخطاء.

الخوف من الخطأ

قد يدفع رفضنا لارتكاب الأخطاء أحياناً للخوف الشديد من ارتكابه، أياً كان نوع وحجم هذا الخطأ، لكن علينا أن لا ندع هذا يتسبب بإيقاف سعينا ومسيرتنا بالحياة، فالخوف من اتخاذ القرارات مخافة الخطأ من أسوء الأمور السلبية التي قد نتعرض لها بالكثير من الأحيان؛ غير أن التوقف عن اتخاذ القرار بهذه الحالة ليس هو الخيار الصحيح، بل علينا أن نتخذ القرار الصحيح بعد التفكير السليم والتدقيق والمشورة، فإن كان سليماً فبها ونعم، وإن لم يكن غير ذلك سارعنا لتدارك الأمر.

من أخطائنا نتعلم

قاعدة ثابتة بالحياة فمن أخطائنا نتعلم فنتدارك ما قد زلت به الأقدام لنتجنب الوقوع بها مرةً أخرى، فالخطأ جزء من التعلم، لا يدفع هذا للمزيد من الأخطاء لكن إن وقع الخطأ سهواً أو جهلاً فعلينا أن نتعلم منه نتجنب الوقوع به مرةً أخرى، ونتعرف على الأسباب التي أوقعتنا به لنتجنبها بالمستقبل، وبهذا يكون الخطأ الذي وقعنا به دافعاً لنا لتجنب المزيد منه، ولاكتساب الخبرة بالحياة والتي تقوي بصيرتنا لتمييز الخطأ من الصواب بالمستقبل.

تقبل الأخطاء

لن تتوقف الدنيا عند خطئك، فتقبل أخطائك فأنت بشر تصيب وتخطأ، لا تكثر اللوم والعتاب لنفسك؛ فتحبطها وتدفعها للفشل والإحباط، فالخطأ جزء منا كبشر وإلا لما هبطنا لهذه الأرض،  لكن عليك أن تصب جهدك وسعيك في التكفير عن هذا الخطأ، وإصلاح ما نتج عنه، واتخاذ كل التدابير التي تحميك من الوقوع بنفس هذا الخطأ بالمستقبل.

تحليل أسباب الأخطاء

عليك أن تستفيد من خطئك؛ فإن حدث ووقعت بخطأ ما عن غير قصد فعليك البحث عن الأسباب التي أوقعتك بهذا الخطأ، وتحليلها بشكل كامل لتتجنبها بالمستقبل، والتأكد من عدم تعرضك لها مرةً أخرى، وبهذا تكون فعلاً استفدت من خطئك، ويكون هذا الخطأ طريقك لتعلم الكثير.

تدوين للدروس المستفادة من الأخطاء

ما سمي الإنسان إنساناً إلا لكثرة النسيان؛ فدون كل ما توصلت إليه من دروس مستفادة من الوقوع بكل خطأ، وما لديك من نقاط ضعف أوقعتك بهذه الأخطاء، وما عليك أن تقوم به بالمستقبل حتى لا يتكرر مثل هذا الخطأ، والمزيد المزيد من كل ما استفدت به من الأخطاء، ليكون مرجعك بعد ذلك لتتعلم منه، وتذكر به نفسك، إن زارها النسيان.

اقرأ أيضاً: فن وأسرار اتخاذ القرار الصحيح

فن معالجة الأخطاء عند الأطفال

بالجديث حول فن معالجة الأخطاء عن الأبناء والأطفال يطول الحديث وتكثر الكلمات، فأبناؤنا فلذات الأكباد، وثمرات الحياة، وحياة الروح، بهم نأنس، ولهم نركن، ولهم نقدم الأرواح طواعية، نبذل في سبيل إسعادهم المهج، وننفق الأعمار، لذا كان الحديث عن طرق تصحيح أخطائهم من الأهمية بمكان، وهي من الأمور المهمة التي نسعد بأن نتناولها معكم، لذا نعرض لكم الآن أهم النقاط التي لابد من مراعاتها في تصحيح ومعالجة أخطاء الأطفال، وهي أخطاء يقع فيها الكثير من الآباء والأمهات، نوجزها فيما يلي:

تعلم الوالدين لهذا الفن

تكثر أخطاء الأطفال وتتنوع، وبهذا يختلف طرق العلاج حسب نوع الخطأ وسن الطفل، لذا فعلى الوالدين التعلم الجيد لفن معالجة الأخطاء المختلفة عند الأطفال، لمعرفة الطريقة الصحيحة بالمعالجة لكل خطأ على حدا، دون الوقوع بالأخطاء التي قد تأتي بنتائج عكسية ضارة بالطفل.

إهمال عامل الزمن في التصحيح

“التعليم بالصغر كالنقش على الحجر” هذا ما تربينا عليه وترسخ بأذهاننا طوال هذه السنين، ينطبق هذا على تصحيح الأخطاء عند الأطفال، فكلما كان التعليم بالصغر كان أرسخ وأقوى، وكان الوقوع بالخطأ أقل، فمعالجة الأخطاء المتراكمة قد تكون أشد صعوبةً عن معالجة الأخطاء فور وقوعها أو بالوقت المناسب لذلك، كما أن الكثير من الأخطاء أو السلوكيات غير المناسبة قد تحتاج للمزيد من الوقت بالتصحيح والمعالجة، فلا ينبغي الاستعجال بل عليهما التحلي بالصبر والتدرج، ومعرفة الطرق الصحيحة بالعلاج حسب الخطأ وعمر الطفل، والكثير من الأمور الأخرى.

المثالية التامة

قد يكون من أهم الأخطاء التي يتعرض لها الوالدين توقعهم للتصرفات المثالية من الأبناء طوال الوقت، وكأنهم ملائكةً مجنحة، غير أن هذا قد يتسبب بالكثير من الضغط المستمر على الأبناء، وما يترتب على ذلك من أضرار، سواءً للوالدين أو الأبناء، إلا أن النظرة الواقعية للتعامل مع أخطاء الأبناء وإدراك الطبيعة البشرية، وما يفرضه عمر وسن الطفل من أخطاء، قد يصل بالنهاية للطريقة الصحيحة بالتعامل معهم، والقدرة على التصحيح المناسب والأنجح.

المقارنة بالآخرين

قد يظن الوالدين أن مقارنتهم الأبناء بالآخرين قد يدفعهم للأمام ويزيد من حماستهم وتقدمهم، غير أن هذه الفكرة خاطئةً تماماُ في فن معالجة الأخطاء، فعقد المقارنات بين الأبناء وغيرهم من الأهل والأقارب والأصدقاء يحطم ثقتهم بأنفسهم، ويصيبهم بالإحباط والفشل، كما يمكن أن يتسبب بظهور ونمو المشاعر البغيضة تجاه هؤلاء الأشخاص، أو ربما الوالدين أنفسهم، وهو سبب قوي لعدم سعي الأبناء للتصحيح بل ربما دفعهم للتمادي بالخطأ.

عدم التوازن بتصحيح الأخطاء

بالحديث عن التوازن كنقطة هامة جداً في فن معالجة الأخطاء عند الأطفال؛ ينبغي الإشارة إلى أن التوازن بالتصحيح والعقوبة هام جداً، فقد يتساهل البعض؛ وقد يشتد البعض الآخر بالتصحيح حتى تصل العقوبة للضرب والتوبيخ والكثير من السلوكيات المرفوضة بمعالجة الخطأ عند الأبناء، وهو ما لا يساعد الأبوين على تصحيح الخطأ بأي حال.

لذا ينبغي أن يتناسب رد فعل الأبوين مع حجم الخطأ، على أن تكون الأساليب مشروعة وصحيحةً نفسياً، كما أن السكوت على الخطأ  وعدم التوجيه والتصحيح بالوقت المناسب يرسخ هذا الخطأ بالذهن ويعزز منه لدى الطفل ويثبته بالسلوك، لذا كان التعليم للأساليب الصحيحة بالمعالجة والعقوبة من الأمور الهامة، لتحقيق التوازن.

التدقيق بما يجب التغافل عنه

الكثير من الأمور التي يقوم بها الأبناء قد تحتاج لقدر من التغافل ببعض الأحيان، فلا ينبغي التدقيق بالهفوات، وصغار الزلات، وربما كان التغافل معها هو الطريقة الصحيحة بالمعالجة، حيث يعود الطفل على الإصلاح من تلقاء نفسه، فلنكسب قلوب أبنائنا بشيء من التغافل المعتدل، بلا إفراط فقد يؤدي الإفراط لتعويد الطفل على الخطأ وليس هذا مراد حديثنا، بل إن التغافل فن يستعمله المجيدون له بمواطنه الصحيحة وقدره المناسب.

المعاقبة على الخطأ قبل التصحيح

بالكثير من الأحيان يندفع الأبوين ويبدأ كل منهما بتقديم اللوم والعتاب وربما العقاب قبل أن يبين للطفل هذا الخطأ، ويحاول إصلاحه، وبالكثير من هذه المواقف لا يعرف الطفل الخطأ بالفعل، بل يعاقب دون أن يدري ما السبب وبهذا لن يجدي نفعاً؛ فسيتكرر الخطأ مرةً بعد مرة، إلا أن الطريقة الصحيحة تكمن في إظهار مدى قبح هذا التصرف، وكم هو غير مناسب، ولا يأتي العقاب “المعتدل والصحيح” إلا إذا تكرر الخطأ بعد تكرار التوضيح مرةً بعد مرة.

الإهانة والإحراج

من الأمور المسلم بها في التربية الصحيحة، وفن معالجة الأخطاء عند الأطفال تجنب الإهانة والتجريح، فإيذاء النفوس مؤلم؛ ولا يأتي أبداً بخير، وهو ما يتسبب بالفشل وعدم الثقة بالنفس، خاصةً إذا كان هذا أمام الآخرين، فهذا مما يهدم الطفل بالكامل، ويصغره أمام نفسه ويشعره بالسوء.

فن معالجة الأخطاء في العمل

“الأخطاء أهم من الحقائق” هكذا قال نيتشه، فلأن الخطأ وارد طوال الوقت، فقد يقع الخطأ بالعمل أيضاً، ولان الخطأ بالعمل يتعداك ليصل لغيرك من الموظفين والعملاء والمدراء، فغالباً ما يسبب الكثير من الحرج، وربما شعرنا أنها كارثة تستحق إيقاف الحياة، لكن على العكس من ذلك تماماً؛ علينا أن نتعرف على كل ما من شأنه تقليل نسبة وقوع هذه الأخطاء على اختلاف نوعها، وفن معالجة الأخطاء وطرق تجنبها بالمستقبل، وبالأسطر التالية أهم النقاط التي تقدم لك العون في ذلك:

تقديم الاعتذار

يأتي الاعتذار والوعد بإصلاح الخطأ كأهم خطواتك التي عليك أن تقوم بها فور تأكدك من وقوع الخطأ، فالاعتذار يمتص الغضب، ويكسب المزيد من الثقة، ويظهر مدى تحملك للمسؤولية، وتقدير العمل، أما المكابرة وعدم الاعتذار مع وجود الخطأ المؤكد فإنه يؤدي لأمور لا تحمد عقباها، وتختلف باختلاف حجم الخطأ، لذا فلا يأخذك الكبر؛ فكما قيل “الاعتراف بالحق فضيلة”.

الإسراع بتصحيح الأخطاء

عليك بتقديم العرض بإصلاح الخطأ على الفور، والوعد بإصلاح كل ما ترتب على هذا الخطأ من مشكلات أو ضرر يهدأ النفوس بشكل كبير، ويصغر حجم المشكلة والخطأ، فإن كان الخطأ مادياً ملموساً وعدت بإصلاح المكسور وتعويض الضائع، وإن كان خطأً يخص المشاعر طيبت الخاطر وأرحت النفس، وتصبرت حتى تهدأ الأرواح وترضى.

إضافة القليل من حس الفكاهة

بالرغم من صعوبة التفكير في أمر من الأمور المضحكة والفكاهية بمثل هذه المواقف التي يرتكب فيها الخطأ، إلا أن القليل منها والمصاحب للاعتذار قد يخفف من وطأة الخطأ على من وقع عليه، مع محاولة إرضائه والاعتذار المناسب، غير أنه لا ينبغي الإكثار منه لعدم الظن أنك تستهين بحجم الخطأ الذي تسببت به، كذلك لا ينصح بالمبالغة بالاعتذار؛ فالاعتدال مطلوب بكل الأحوال.

تقييم الخطأ وتحديد أسبابه

الآن عليك أن تقيم الخطأ؛ فتتعرف على أسبابه، وتنظر بعين غير عينك لترى الصورة أوضح، وتتعرف على طرق الوقاية من الوقوع به مرةً أخرى، فلا تنشغل بجلد نفسك، ولا بالتبرير وإيجاد الأعذار لها؛ ولكن كن منصفاً بحقها وأكثر عملية، قم بالاستفادة من هذا الخطأ بمعرفة كيفية عدم التعرض له مرةً أخرى.

مواجهة السيناريو الأسوأ وتقبل العقوبة

في فن معالجة الأخطاء بالعمل قد يختلف الأمر نوعاً ما، فقد يختلف حجم الخطأ، لذا عليك توقع السيناريو الأسوأ، وتقبل العقوبة التي قد تتعرض لها نتيجة هذا الخطأ، وإيجاد الحلول والطرق التي تخرجك من هذا السيناريو، كما عليك توقع السيناريو الأقل بطبيعة الحال والتفكير بطرق الحل، لكن توقعك للأسوأ لا يعرضك لصدمة حدوثه بعد محاولة تفاديه، وبكل الأحوال لن تنتهي الدنيا إذا حدث رغم كل محاولاتك في الإصلاح والوعد بعدم التكرار.

التغيير بطريقة العمل

بعد دراسة المواقف والأخطاء؛ واستنتاج الأسباب المؤدية إليه، عليك ببدء تغيير خطة العمل، وطريقة تعاملك مع المواقف، والتي أوقعتك بالبداية بالخطأ، سيقلل هذا من نسبة تعرضك للكثير من الأخطاء التي وقعت بها بالسابق، ويدعم استمرارك بتحسين ذاتك، وتفوقك بعملك، وبهذا يكون خطأك الذي وقعت به بالسابق، قدم لك النجاح والتقدم بالمستقبل.

الترفق بالنفس

عليك بوضع الموازين بنصابها الحقيقي على الدوام، فلا تضخم من حجم المشكلة، ولا تقلل منها، بل عليك بتقدير الأمور على حقيقتها دائماً، ثم لا تبالغ بمعاقبة نفسك وجلدها؛ فالخطأ وارد للجميع المهم أن نجعل من هذا الخطأ طريقاً لنا للتقدم والتطور وتحسين المستقبل، فلا تترك نفسك فريسة لليأس والإحباط، واتخذ الطرق الصحيحة للتعامل مع خطئك، حتى لا يؤثر هذا سلباً على صحتك وحالتك النفسية.

اقرأ أيضاً: مهارات فن التفاوض والإقناع

فن معالجة الأخطاء عند الآخرين

نحتاج من حين لآخر لمراجعة أساليبنا في معالجة الأخطاء، خاصةً حين لا تجدي الطرق المتبعة نفعاً، فهذا أكبر الأدلة التي تشير لخلل ما بطرق التصحيح والمعالجة، إذ تحتاج المعالجة للحكمة والروية، وإتباع الكثير من القواعد الصحيحة والتي لا تأتي مع المخطئين إلا بخير، والتي نقدمها لكم الآن بالشرح والتفصيل.

لوم المخطئين لا يأتي بخير بأغلب الأحوال

غالباً لا يأتي كثرة اللوم والعتاب والتأنيب بخير يذكر، فهو من الأشياء التي توغر النفوس وتهدم البناء، وتحطم كبرياء النفس، فاللوم طريقةً تؤذي النفوس، وتحطم أواصر الصلة والمحبة، وكما أن العتاب واللوم يؤذيك فهو مؤذٍ لغيرك، ولا يأتي بأيٍ من النتائج الإيجابية المرجوة منه.

كما أن التودد بالنصح وترك اللوم والعتاب سنة نبوية فاضلة، فكما قال الصحابي الجليل أنس بن مالك عن خدمته لرسولنا الكريم ﷺ عشر سنوات، لم يعاتبه على شيء، فقال ” ما قال لشيء فعلته لم فعلته، ولا قال لشيء تركته لم تركته”، وإذا عوتب في ذلك قال “دعوه فلو كان شيء مضى لكان”.

وضع النفس مكان المخطئ والبحث عن الحلول

تذكر دائماً أن الهدف هو الحل وتصحيح الخطأ دون خسارة ود المخطئ، ولهذا يجب وضع نفسك مكان المخطئ، وقم بالتفكير نيابةً عنه بالحلول التي لابد أن يتخذها، بعد أن ترى الأمور من وجهة نظره وتعرف دوافعه وأسبابه، لتتمكن من التفكير الصحيح بكل الخيارات الممكنة والتي يمكن أن يتقبلها ويختار منها ما يناسبه.

إبعاد الحاجز الضبابي عن عيون المخطئين

لا نشعر حين الخطأ أننا على خطأ، هذه من الأمور الثابتة التي نعرفها جميعاً؛ لذا فلابد من التودد بالنصح، وترك القسوة والعتاب، وشرح الأمور بطريقة سهلة واضحة، تجعل المخطئ يصل للنتيجة التي نريدها بنفسه، يأتي ذلك جلياً في حل رسولنا الكريم ﷺ للكثير من الأمور والقضايا، مثلما جاء أحدهم يستأذنه في الزنا، فما كان من رسولنا الكريم ﷺ إلا أن وضع السائل موضع المستفتي والمجيب.

فقال أترضاه لأختك؟ أترضاه لأمك؟ أترضاه لابنتك؟ وكان الرجل يردد بكل مرة لا، وما زال يردد ويسال حتى قال له “كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم؛ كذلك الناس لا يروضونه لبناتهم”، هنا زالت الغشاوة عن عين السائل، وحلت المشكلة وزال الخطأ دون الوقوع به.

الترفق بالنصح واللطف عند الإصلاح

“إن من البيان لسحراً” أسلوبك  وكلماتك طريقتك الناجحة في تصحيح الخطأ بلا منازع، فإذا كانت بعض الكلمات اللطيفة تقع بالقلب فتفعل فعل السحر، فلماذا نكثر اللوم والعتاب ونوجع القلوب ونؤلمها؟ بأسلوبك تدخل القلوب وتعالج الخطأ أو تقف على باب القلوب فلا يؤذن لك، فأنتق أفضل الكلمات وأرقها وأقربها للقلوب بالنصح، فالأسلوب الطيب، والكلمات المنتقاة، ونبرة الصوت الحانية، وابتسامة المحب، هي تذكرة الدخول، والعصا السحرية التي تصلح بها الخطأ وتقيم المعوج.

يبدو ذلك جلياً في تلطف رسولنا الكريم ﷺ في نصحه لصحابته فيما جاء عن معاوية رضي الله عنه حين قال ” بينما كنت أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم فقلت: “يرحمك الله”، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: “ما شأنكم تنظرون إلي” فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله ﷺ فبأبي هو وأمي (ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه) فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني بل قال: “إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن”.

ترك الجدال بالنصح

يعد ترك الجدال من أهم النقاط في فن تصحيح الأخطاء، فغالباً ما يتحول الجدال لأمور قد يراها المخطئ انتقاصاً منه، ويتحول النصح إلى جرح الكرامة، فيدافع المخطئ “رغم علمه بخطئه” ليستعيد كرامته، فيغلق باب الرجوع عن الخطأ، ولا نستفيد من الجدال بشيء، لذا قال رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة “أي وسطها وأفضل الأماكن فيها” لمن ترك المراء “الجدال” ولو كان محقاً، فلنتذكر دائماً أن الغاية هي إصلاح الخطأ دون خسارة المخطئ.

الرفق في النصح وتصحيح الخطأ

الرفق نهج نبوي؛ حيث دعا رسولنا الكريم وطلب لصاحبة الرفق والعون من الله جزاءً على عمله الطيب حين قال “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه” وقد ولاك الله أمر الإصلاح من حولك، سواءً كانوا أهلك أم أصدقائك أم غيرهم، فأرفق بهم يرفق بك، وتجني ثمار رفقك بالدنيا قبل الآخرة، فالرفق ما وضع في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وكما قال رسولنا الكريم ﷺ أيضاً “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه”.

دع المخطئ يقود زمام التصحيح

فن تصحيح الأخطاء يأتي أحياناً بأن تقوم بعكس المواقف؛ بأن تجعل المخطئ يشعر وكأنه هو الذي وضع يده على الخطأ؛ ووجد الحل، وشعر بمدى قبحه والتمس الطريق إلى التصحيح، يأتي ذلك بأن تشرح له الأمر وتجعله هو الذي يفكر، فيكون بذلك أكثر حفاظاً على كرامته التي تقف بالكثير من الأحيان كعائق كبير في سبيل الإصلاح، كما سيكون أكثر حماساً بالتصحيح، لكون الفكرة بتصحيح الخطأ فكرته واختياره.

المدح وعدم الانتقاد

“نعم العبد عبد الله لو كان يقوم الليل” هكذا وضع رسولنا الكريم ﷺ أولى الكلمات بفن تصحيح الأخطاء بالطريقة الصحيحة البناءة، فامتداحك للشخص سائق قوي للمزيد من العطاء والبذل والصواب، فقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها بعدها عن الصحابي الجليل “أنه كان لا ينام من الليل إلا قليلاً” بعد مدح رسولنا الكريم ﷺ له، فامدح من تنصح وأذكر جوانب الصواب، أثني على ما يقدم من الخير تجد منه ما يذهلك.

تصحيح الأخطاء الظاهرة وتجنب خفايا الأمور

” يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ” هكذا أرسى الله عز وجل قاعدةً كبيرةً من القواعد الهامة بالحياة، وهي ألا تسعى لكشف المستور، وخفايا المحيطين بك لاكتشاف الأخطاء والعيوب، والبحث عن العورات والخفايا، فيكفي أن تعمل على إصلاح الأخطاء الظاهرة، ولا تتبع عورة المخطئ وخباياه، كما قال رسولنا الكريم ﷺ “إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم”.

كذلك قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أيضاً “من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره”، فنحن لا نحتاج أن نعرف كل ما يخفيه المرء عنا، يكفي أنه أخفى عنك أسوء ما يجده بنفسه، فهذا أكبر دليل على شعوره بالذنب والخطأ، ولو فتشت فكشفت ستره فأنت عند الله وعند الناس أسوء منه، ولا يأتي ذلك بخير، ولا يفيد أياً منكم، ولا تستطيع بهذا تصحيح خطأه بل العكس تماماً، ستخسره إلى الأبد.

اقرأ أيضاً: فن الرد المهذب وكيفية الرد على الكلام الجارح

الاستفسار وحسن الظن بالمخطئين

من أرق ما ذكر في فن تصحيح الأخطاء حسن الظن فلا تصدق كل ما تسمع؛ ولا ما ترسمه لك مخيلتك، عليك بالتثبت والسؤال، على أن يكون السؤال للمخطئ نفسه، فهذا يشعره بالحرج وبأن هذا التصرف لا يليق به وبمن مثله، سيوقفه ذلك عن الخطأ؛ ثم يصحح المسير.

الشجيع على فعل الصواب

قم بالمدح على القليل من الصواب والتقدم الذي يقوم به المخطئ، فذلك يدفعه لتقديم المزيد منه، ويزيد من تقدمه وثقته بنتائج الصواب عليه وعلى من حوله؛ من تقبل وحب ومدح، لذا عليك بالثناء على الصواب من الأفعال والأقوال والتصرفات مهما كان الصواب صغيراً.

استخدام المترادفات الطيبة للكلمات

“نقطة العسل تصيد ما لا يصيد برميل من العلقم” عليك باختيار كلماتك، وانتقاء الأفضل منها، فكل كلمة قاسية لها كلمة أخرى مرادفةً لها تؤدي نفس المعنى غير أنها كلمةً حانية، فالكلمة الطيبة تفعل ما لا تفعله كتب الكلمات القاسية، ولها أفضل نتيجة قد يصل إليها فن تصحيح الأخطاء، وكما قال رسولنا الكريم ﷺ “الكلمة الطيبة صدقة”، لما لها من أثر طيب بالنفوس، ولما تجنيه بها من الثمار، فتلك الكلمة الطيبة هي السهم الصائب وأهم ما يحتوي عليه فن معالجة الأخطاء من النصائح.

نصائح في فن معالجة الأخطاء والوقاية من تكرارها

قدمنا لكم خلال المقال الكثير والكثير من الطرق النافعة والناجحة في طرق التعامل مع الأخطاء، حيث يعد فن معالجة الأخطاء فن يجب أن يعلم ويدرس، ولمزيد من الإصلاح وضبط النفس، وتتمية لكل ما ذكرنا نقدم بعض هذه النصائح الهامة في طرق المعالجة والوقاية من التكرار لنفس الخطأ، وهي كالتالي:

  • في فن معالجة الأخطاء عليك دائماً بعدم تسويف البدء، حيث يجب اتخاذ الإجراءات السريعة وعدم التأجيل.
  • يتطلب تصحيح الخطأ منك الكثير من الشجاعة المصحوبة بالحكمة بالمعالجة، والتقدير للمسؤولية الملقاة على عاتقك.
  • كن متزناً بالتعامل مع أخطائك، وابحث عن الحل فجلدك لذاتك لن يجدي، ويأسك لن يصلح العالم، سيصلحه فقط أن تبدأ بالتصحيح.
  • لا تخجل من طلب المساعدة من المختصين، أو ذوي الخبرة.
  • في فن معالجة الأخطاء عند الأطفال عليك أولاً أن تكون قدوةً لهم، فهذا سيسهل عليك نصف الطريق.
  • لا تجعل نفسك جزءاً من الخطأ بردة فعلك الخاطئة والمبالغ فيها، فسيكون لهذا أثر نفسي سيء.
  • قم بوضع الخطط اللازمة التي تحميك من تكرار نفس الخطأ مرةً أخرى.
  • لا تقم بمحاولة تصحيح كل أخطائك جملةً واحدة، وعليك بالتدرج والصبر.

بالختام؛ فن تصحيح الأخطاء فن متعدد الطرق، له الكثير من القواعد والخفايا والأسرار، غير أن كل هذه الأسرار قوامها الرفق واللين بغير ضعف، والمحبة عند النصح، وإرادة الخير والنية الطيبة، أنت تسعى لتصحيح الخطأ فأنت محب لغيرك “ولن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لغيره” فكن محسناً ليناً رقيقا وخد بيد المخطئين إلى طريق الصواب كما تحب أن تمتد لك يد العون عندما تذل الأقدام.

اقرأ أيضاً: كيف أخطط لمستقبلي بطريقة صحيحة وفعالة

قد يعجبك ايضا