مفهوم الرعاية الذاتية وأهميتها

نسمع كثيرُا عن مصطلح الرعاية الذاتية ولا نعي أنها تمتلك العديد من الجوانب التي لا تقتصر فقط على الاهتمام بصحتنا الجسدية، وإنما تشمل الاعتناء بالصحة النفسية أيضًا، وقد يظن البعض أن تلك الرعاية مقتصرة فقط على الذين يعانون من الأمراض النفسية، وهذا ليس له أساس من الصحة، ولأن الرعاية الذاتية متفرعة، وتحتاج إلى تعريفها بشكل مفصل، وبيان أهميتها لأنفسنا وكيف نقدمها، فقد خصصنا هذا المقال للإجابة عن كل تلك التساؤلات.

ما معنى الرعاية الذاتية؟

الرعاية الذاتية هي النشاط الذي نقوم به ويلبي الاحتياجات الأساسية اليومية لنا، وذلك مثل: تناول الطعام، والاستحمام، وارتداء المرء ملابس نظيفة، وغسل الأسنان، وكذلك الاعتناء بالأمور الطبية، وهي أي نشاط يمكن أن يشعرنا بالانتعاش والتجديد من الروتين والرضا الذاتي، وذلك النشاط يختلف من شخص لآخر على حسب اهتماماته.

بعض الأشخاص يتجدد نشاطهم عند تناول طعامهم المفضل، أو عند الحصول على تسريحة شعر جديدة، والبعض الآخر يشعر بالانتعاش عند الخروج من المنزل، والذهاب إلى رحلة مع الأصدقاء، وقضاء وقت ممتع، ولا تقتصر تلك الرعاية على المرضى فقط، بل هي أمر أساسي يجب أن يضعه الأصحاء في اعتبارهم حتى يستطيعون التعامل مع ضغوطات حياتهم المختلفة.

غايات الرعاية الذاتية

هناك أهداف للرعاية الذاتية بشكل عام حتى وإن اختلفت متطلباتها، فهي لا يُقصد بها معالجة الضغوطات الحياتية أو الحد منها فقط، بل تكمن أهداف الرعاية على اختلاف أنواعها في الآتي:

  1. الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية والبدنية.
  2. المحافظة على العلاقات الشخصية والاجتماعية.
  3. إيجاد التوازن بين الحياة المهنية أو الأكاديمية والحياة الشخصية.
  4. التعامل بطريقة صحية مع القلق والتوتر.
  5. تلبية الاحتياجات الروحية والعاطفية، واحترامهم.

حقيقة الرعاية الذاتية

قد يظن البعض أن الرعاية الذاتية سلوك أناني منهم، وهو ما ليس له أساس من الصحة، فالأشخاص الذين يفضلون تلبية احتياجات الآخرين قبل احتياجاتهم  الجسدية والعاطفية هم أشخاص مستنزَفون بشكل دائم، وهو ما يتسبب في تدهور صحتهم البدنية والعاطفية بمرور الوقت جرّاء إهمال ذاتهم، وعدم إعطاء أنفسهم الوقت الكافي لرعاية أنفسهم كما ينبغي.

إن الرعاية الذاتية تجعلنا أكثر قدرة على مساعدة الآخرين بشكل جيد، فإذا كنت تود مساعدة شخص ما، أو إسعاد من تحب فيجب عليك أن تبدأ بنفسك أولاً، وهذا سيظهر تأثيرًا إيجابيًّا على علاقاتك الاجتماعية والشخصية، وليس كما يظن البعض.

فوائد الرعاية الذاتية

للرعاية الذاتية دور فعال في تحسين جميع جوانب حياتنا، وبالتالي فهي مهمة لصحتنا بشكل عام، وتتعدد فوائد الرعاية لتشمل ما يلي:

زيادة التقدير الذاتي

حينما تهتم بذاتك وتمنحها الوقت الكافي لتلبية جميع احتياجاتها، فإنك تقول لها لاشعوريًّا ” إنكِ تستحقين هذا يا نفسي”، وهذا ما يرفع من مستوى التقدير الذاتي لديك، وبالتالي زيادة ثقتك بنفسك.

تعزيز الوعي الذاتي

الرعاية الذاتية تمنحك الوعي الكافي عن ذاتك، فعند ممارستك للأنشطة المختلفة فإنك تعرف ما تحبه وما لا تحبه، وعندما تكتشف اهتمامات جديدة فستكتشف معها أهداف جديدة بمشاعر جديدة.

تطوير الذات

عندما تكون مقدرًا لذاتك وواعيًّا بما تحبه وما لا تحبه سيؤثر ذلك على عقلك تأثيرًا إيجابيًّا، وبالتالي سيمنحك قدرة عالية على الاعتناء بأحبائك بطريقة لم تكن تستطيع أن تقوم بها في السابق؛ لأنك لبيت الاحتياجات الذاتية لديك، وحققت الاسترخاء والراحة اللازمين لتجديد نشاطك.

تحقيق التوازن بين جوانب الحياة المختلفة

عندما تهتم بجميع جوانب حياتك فستصبح جميعها متناغمة مع بعضها البعض، وهو ما سيجعل حياتك منظمة وخالية من القلق والتوتر.

اقرأ أيضاً: مراحل تطوير الذات في العمل

أنواع الرعاية الذاتية

تتعدد أنواع الرعاية 4لتشمل جميع الجوانب التي يلزم تلبية احتياجاتها، ومن تلك الأنواع:

الرعاية الذاتية العاطفية

من الصحي أن تتفاعل مع مشاعرك التي تجتاحك، فكتمان المشاعر قد يسبب لك عدم الشعور بالراحة، فلا تلوم ذاتك على المشاعر التي تحس بها، ولكن تقبلها كما هي واستجب لها، وهناك عدة طرق لتحقيق تلك الرعاية:

  • اكتب المشاعر التي تجتاحك بصدق في مفكرة يومية.
  • قم بتنمية مهارة التعبير عن الذات من خلال كتابة مجموعة من كلمات الشعور.
  • حفز ذاتك على الضحك من خلال مقاطع الفيديو المضحكة، أو تذكر الذكريات القديمة المضحكة.
  • ابكِ عندما تريد ذلك، ولا تكتم مشاعر الحزن أبدًا.
  • حدد وقتًا في يومك لمجالسة فرد من أفراد العائلة أو صديق لك يستطيع فهمك حقًا.
  • احرص على تطوير شخصيتك من خلال قضاء من ثماني إلى عشر جلسات مع المعالج النفسي.

الرعاية الذاتية الحسية

هي تلك الرعاية التي تمنحها لذاتك كي تستمتع بالحاضر، فهي التركيز على تفاصيل أحاسيسك في اللحظة الحالية، وعندما تصل إلى تلك المرحلة فلن تبكِ على الماضي، ولن تقلق بشأن مصيرك المستقبلي، فدرب عقلك على التفكير بكل حواسك.

الرعاية الذاتية الاجتماعية

اختيار الأشخاص الذين يشعرونك بالراحة عند التعامل معهم؛ للقيام بالأنشطة المفضلة لديك هي الرعاية الذاتية الاجتماعية، فالتواصل مع الناس من حولك يمنحك السعادة، ويجنبك العزلة والوحدة؛ لأنك تشعر بالأنس وأنك لست وحدك، وهناك عدة طرق للعناية بذلك الجانب:

  • ابتعد عن الأشخاص السلبيين الذين يشعرونك بالضعف وقلة الحيلة كلما تواصلت معهم.
  • قم بتحديد موعدًا مع صديقك المقرب لتناول وجبة الغداء أو العشاء.
  • انضم إلى الفئة التي تشاركك اهتماماتك.
  • بادر في التواصل مع شخص يثير اهتمامك.
  • حادث شخصًا تحبه ولم تلتقيا منذ فترة.
  • ارسل رسالة أو اتصل بشخص يفتقدك، ولكنه يعيش بعيدًا عنك.
  • انضم إلى فصل دراسي لتتعلم ما تحبه، وابدأ في التعرف على أناس جدد في الوقت ذاته.

الرعاية الذاتية الروحانية

يُقصد بها توطيد علاقتك مع ربك، وكذلك مع القيم التي تعتنقها، وهناك طرق لتنمية الرعاية الروحانية، نذكرها في الآتي:

  • مارس التأمل باستمرار.
  • تفكر في جمال الكون من حولك، واحرص على السير وسط المناظر الطبيعية الخلابة.
  • قدّم خدمة إنسانية أو دينية.
  • احرص على ممارسة هواياتك التي تبدع فيها، مثل: الكتابة أو الموسيقى، أو أي هواية تحبها.
  • اقرأ الشعر.
  • اكتب من خمسة إلى عشرة أشياء تشعرك بالامتنان.

أفكار للرعاية الذاتية

قد يعتقد البعض أن الرعاية الذاتية تتطلب الكثير من الوقت والمال، ولكن الأمر على نقيض هذا تمامًا؛ إذ يمكن أن تكون سعادتنا في أشياء بسيطة للغاية، فقط كل ما عليك هو تنظيم وقتك حتى لا تشعر بضيق الوقت وسط الأسبوع، فخصص الوقت الملائم لجدولك الخاص، واكتب الأنشطة التي تفضل ممارستها، ويمكننا تسهيل الأمر عليك عن طريق عرض بعض الأفكار التي ستساعدك على رعاية بذاتك، ومنها:

احتفظ بدفتر يوميات خاص بك أو مفكرة صغيرة

وظيفة تلك المفكرة أنها ستساعدك على مشاركة مشاعرك كما ترغب دون الحاجة إلى البوح للأشخاص من حولك، فاحرص على كتابة يومياتك سواء كانت سعيدة أو حزينة حتى تفرغ ما بداخلك.

ابق في المنزل

البقاء في المنزل ليس مملاً كما يظن الكثيرين، فيمكنك الاعتناء بذاتك من خلال طهي وجبتك المفضلة، أو تنظيف منزلك، والاستمتاع بمظهره المرتب والنظيف.

اذهب في نزهة إلى متجر الحيوانات الأليفة

العب مع الحيوانات الأليفة هناك، أو اقض المزيد من الوقت مع حيوانك إذا كان لديك، فقد ثُبت أن اللعب مع الحيوانات الأليفة مفيد جدًا للصحة النفسية؛ إذ أن سماع خرخرة القطط يساعد على إزالة التوتر العاطفي لديك.

ارسم ولون

إذا كنت من محبي الرسم واستخدام الألوان لإخراج لوحة في غاية الجمال، فهذا سيجعلك تجدد نشاطك في فترة قياسية، استعن بكتب التلوين وتأمل الألوان المتناغمة مع بعضها البعض.

اشترك في نشاط جماعي

يمكنك الانضمام إلى مجموعة كبيرة والقيام بنشاط تحبه معهم، أو انضم إلى جلسات المشورة الجماعية، ويمكنك أيضًا الالتحاق بالمجموعات التي تجذب انتباهك من خلال الإنترنت.

اقض المزيد من الوقت في الحمام

استمتع بالاستحمام، وابق داخل الماء لبعض الوقت، واجعل الماء ينساب على جسدك حتى تشعر بالاسترخاء اللا متناهي، وخاصة إذا كنت تلتقط أنفاسك بعمق.

نظف بشرتك

يمكنك قضاء بعض الوقت لترطيب بشرتك وتقشيرها.

اشترِ كتابًا جديدًا

تعتبر القراءة مزيجًا رائعًا من التعلم والاسترخاء في الوقت ذاته، كافئ نفسك على ما بذلته من مجهود شاق طوال الأسبوع، واشترِ كتابًا من المجال الذي تفضل القراءة عنه.

حل الألغاز، ومارس الأنشطة الإبداعية

إن الرعاية الذاتية تتطلب تطوير قدراتك العقلية أيضًا؛ لذا عليك بتخصيص بعض الوقت للقيام بالأنشطة التي تتطلب إعمال العقل كحل الألغاز.

مارس التمارين الرياضية، أو اليوجا

لا يتطلب الأمر إرهاق ذاتك لمدة 150 دقيقة في ممارسة التمارين كما تشير بعض المصادر، ولكن يكفي ممارسة رياضة المشي لمدة نصف ساعة، وذلك لعدة مرات أسبوعيًّا، فلا ينبغي عليك رفع الأوزان الحديدية، أو الدخول في تحدي سباق الماراثون لتبقى في صحة جيدة.

تواجد في الأماكن الروحية

خصص بعض الوقت للذهاب إلى المسجد أو الكنيسة، فاتصالك بالله عز وجل سيكون له دور في إشباع احتياجاتك الروحية، ويمكنك تأمل الطبيعة، أو التطوع لمساعدة الفقراء.

خصص وقتًا للبقاء وحدك

تحتاج إلى البقاء وحيدًا لفترة للاسترخاء كما تحتاج إلى التواصل مع الآخرين، ولذلك يُفضل الموازنة بين الأمرين.

احصل على قيلولة

لا تهمل نومك من أجل القيام بالأعمال، بل اجعل نومك من أولوياتك، حيث يعتبر من الرعاية الذاتية أيضًا، فاحرص على النوم لمدة تتراوح بين سبع إلى تسع ساعات في اليوم، وخذ قيلولة أيضًا بالنهار ولاحظ الحيوية والنشاط بعد أسبوع فقط من اتباع هذا الروتين.

اقرأ أيضاً: مكونات ومصطلحات التنمية البشرية

خاتمة

“  إن لبدنك عليك حق”، هذه المقولة تحقق مفهوم الرعاية الصحية وفائدتها، فلا تجعل رعايتك لذاتك هي آخر اهتماماتك، ولا تشعر بالذنب عند استغراق بعض الوقت للقيام بهذا؛ لأنك ستجني ثمار رعايتك هذه على الصعيد المهني والشخصي لاحقًا.

قد يعجبك ايضا